بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
صاد بعض المسلمين حمار وحش في أيام الحجّ بمكّة فرآه رجل آخر فقال له لقد حرم عليك أكله لأنّك صدته في الأيام الحرم ، فنزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) أي أوفوا بالعهود التي عاهدتم الله ورسوله عليها بأن تطيعوا أوامره وتجتنبوا معاصيه فلماذا تصيدون في الأيام الحرم (أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ) أي المبهم من الأنعام ، يعني التي أبهم عليكم أمرها لا تعلمون هل هي حلال أم حرام ، وهي الأنعام الوحشية كالظبي والوعل وحمار الوحش وغير ذلك مِمّا يأكل النباتات والحبوب ، والمبهم من الأنعام هي التي لم يأتِ ذكرها في القرآن .
أمّا التي جاء ذكرها فهي غير مبهمة وهي الغنم والمعز والبقر والإبل ، وذلك قوله في تعالى في سورة الزمر {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ..الخ} ثمّ استثنى منها ما كان محرّماً فقال (إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) في القرآن من تحريمها ، وذلك كالخنزير والميتة والدم (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ) يعني لا يحلّ لكم صيدها وقت الإحرام وإن كان أكلها حلالاً (إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) فلا معارض لحكمه .
2 – لَمّا فتح النبيّ مكّة أمر مناديه فنادى : "ألا لا يحجّنّ اليوم مشرك ولا يطوف بالبيت عريان" . فجاء بعد ذلك أناس من أطراف مكّة لِيحجّوا ويسلموا ، ولم يعلم المسلمون بنيّاتِهم فتعرّض لهم بعض المسلمين بأذى وأخذوا هديهم وقلائدهم فعاتبهم الله على ذلك إذ نزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ) أي معالم دينه ، وهي الأمكنة التي يُتعبّد لله فيها , والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ} ، (وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ) يريد به شهر ذي الحجّة ، والمعنى : لا تحِلّوا المحرّمات بمكّة لأنّها من شعائرالله ولا في شهر ذي الحجّة لأنّه من الأشهرالحرم ، فلا تحِلّوا الصيد فيه (وَلاَ الْهَدْيَ) أي لا تأخذوا الهدي جبراً بدون رضا من أهله ، والهدي ما كان يهديه الحاج إلى ربّ البيت من بعير أو بقرة أو شاة (وَلاَ) تحلّوا (الْقَلآئِدَ) أي لا تأخذوها بغير رضا أهلها ، وهي أنعام يجعلون في رقبتها قلادة علامة أنّها نذيرة ينذرونها للبيت (وَلا) تحلّوا أناساً (آمِّينَ) أي قاصدين (الْبَيْتَ الْحَرَامَ) أي لا يحلّ لكم أخذ أموال أناس قاصدي البيت للحجّ الذين (يَبْتَغُونَ فَضْلاً) أي ثواباً (مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا) منه بقصد الحجّ والاستسلام (وَإِذَا حَلَلْتُمْ) من الإحرام (فَاصْطَادُواْ) من بهيمة الأنعام يباح لكم حينذاك (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ) أي ولا يكسبنّكم (شَنَآنُ قَوْمٍ) أي بغض قوم ، لأجل (أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) في الماضي ، يعني فلا يحملكم البغض على كره هؤلاء لأنّهم منعوكم عن العمرة في عام الحديبية (أَن تَعْتَدُواْ) عليهم في الأشهر الحرم بأخذ هديِهم وقلائدهم فإنّهم جاؤوا ليسلموا فتحابّوا (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى) أعمال (الْبرِّ) فيما بينكم (وَالتَّقْوَى) بترك العداوة (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ) أي على المعاصي (وَالْعُدْوَانِ) أي التعدّي على الحاج (وَاتَّقُواْ اللّهَ) ولا تخالفوا أوامره (إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) فخافوا عقابه ولا تعتدوا على حجّاج بيته .
3 – (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) من الأنعام (وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ) أي وما ذُبِح لغير الله من النذور والقرابين فهو حرام ، وذلك ما كان المشركون يذبحونه للأصنام . أمّا اليوم فيذبحون الأنعام للمشايخ والأئمة والأنبياء وهذا لا يجوز ذبحه ولا أكله ولا توزيع لحمه على الناس فهو حرام كلحم الخنزير (وَالْمُنْخَنِقَةُ) وهي التي تربط بحبل ثمّ تسقط من مكانِها وتبقى معلّقة بحبلِها حتّى تموت ، وتوجد طائفة من الناس بالهند يخنقون الشاة ولا يذبحونَها ثمّ يأكلونَها فهذا لا يجوز (وَالْمَوْقُوذَةُ) أي المضروبة بعصى أو حجر أو غير ذلك فتموت من تلك الضربة فهي حرام أيضاً (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) وهي الساقطة من الجبل إلى الوادي فأصابها الردى يعني أصابها الموت ، أو الساقطة من سطح الدار ، أو الساقطة في بئر أو حفرة ، أو التي تسحقها سيّارة أو قطار وماتت يحرم أكلها (وَالنَّطِيحَةُ) وهي التي ينطحها غيرها فتموت يحرم أكلها أيضاً (وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ) أو الذئب ، يعني الفريسة التي يفترسها بعض الوحوش الضارية فيأكل بعضها ويترك الباقي فهو حرام أيضاً (إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) من هذه الأنعام التي سبق ذكرها ، يعني إلاّ ما ذُبِحت قبل الموت .
أمّا الصيد فيمكنك أن تذكر اسم الله عليه عند إطلاق الطلقة فتقول بسم الله والله أكبر . فإذا أصابته الطلقة ومات فاذبحه حالاً لأنّ الطلقة تقوم مقام الذبح على شرط أن تذكر اسم الله عليه . (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) فهو حرام أيضاً ، والنصب هي أحجار كبيرة كان المشركون يذبحون الأنعام عليها قرباناً للأوثان والشاهد على ذلك قول الشاعر:
وذا النصب المنصوب لا تنسكنّه ولا تعبدِ الشيطانَ والله فاعبُدا
ومعناه وصاحب النصب المنصوب على الكعبة لا تعبدنّه ، ويريد به هبلاً .
(وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ) أي وحرّم عليكم استقسام الذبيحة بالأزلام ، وهي سهام يكتبون على بعضها أمرني ربّي ويكتبون على الآخر نهاني ربّي ، أو يضعون عليها أرقاماً فهذا السهم له حصّة واحدة وذاك له حصّتان والآخر له ثلاث وهكذا كلّ سهم له حصص خاصّة دون غيره وهي لعبة كالقمار ، فكانوا يذبحون بقرة أو شاة ويتقارعون عليها بتلك السهام فتقع الخسارة على رجل منهم فيدفع ثمنها ويقسون لحمها بينهم1 (ذَلِكُمْ) إشارة إلى القمار والاستقسام بالأزلام (فِسْقٌ) أي ذلك من أعمال الفسقة الذين يريدون أن ينهبوا أموال أصحابهم بالقمار (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ) أي يئسوا من إرجاعكم إلى دينهم ، لأنّهم كانوا يقاتلون ويناضلون لِيرجعوكم إلى دينهم ولكنّهم الآن يئسوا من ذلك لِما رأوا من كثرتكم وقوّتكم ونصركم عليهم في جميع الأوقات (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) أي خافوني فلا تخالفوا أوامري (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) من تحليل الشيء وتحريمه (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) بأن هديتكم للإسلام وأنزلت إليكم القرآن ونصرتكم على المشركين (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) أي رضيت لكم الاستسلام لأمر الله منهجاً (فَمَنِ اضْطُرَّ) إلى أكل لحوم هذه المحرّمات وكان (فِي مَخْمَصَةٍ) أي في مجاعة (غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ) أي غير مائل لإثم ، يعني فمن كان مضطرّاً إلى أكل الميتة وما عدّد الله تحريمه عند المجاعة الشديدة ولم يكن قصده عصيان أمر الله فلا بأس عليه في ذلك (فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ) للتائبين المذنبين فكيف بِمن كان من الجائعين (رَّحِيمٌ) بالمساكين .
---------------------------------------------
1 ومثال ذلك يستعمل اليوم وخاصّةً في شهر رمضان شهر الطاعة والغفران إذ ترى كثيراً من الشباب يجلسون في المقاهي ويلعبون القمار (صينية) فتقع الخسارة على واحد منهم أو جماعة فيشترون البقلاوة ويقسمونها بينهم .
__________________
الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسۡلِمِينَ